فصل: وقفية السلطان قلاوون على البيمارستان المنصوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ البيمارستانات في الإسلام



.وقفية السلطان قلاوون على البيمارستان المنصوري:

من الوثائق التاريخية الثمينة التي قل أن يجود الزمان بمثلها لطول العهد واضطراب الأحوال وتغير الدول، الوقفية التي أوقفها السلطان الملك المنصور قلاوون على تربته ومدرسته وبيمارستانه فإنها من أوثق المصادر التي يستعان بها في تحقيق أحوال ذلك الزمان الذي وضعت فيه، ومعرفة ما بلغته مصر فيه من الرقي والمدنية ولقد كانت هذه الوقفية في حكم الشيء المفقود فإن المؤرخ عبد الرحمن حسن الجبرتي المتوفى سنة 1240هـ 1825م قد ذكر ضمن حوادث كتابه: أن وقفية السلطان قلاوون قد احترقت في داخل خزانة كتب البيمارستان، وأن الأمير عبد الرحمن كتخدا عندما أراد تجديد البيمارستان في سنة 1190هـ وحبس بعض الأموال عليه لم يجد كتاب وقفه.
ومن حسن الاتفاق أنه في المدة التي تولى فيها المرحوم إبراهيم باشا نجيب إدارة ديوان الأوقاف من ديسمبر سنة 1912 إلى 15 نوفمبر سنة 1913 عثر في محفوظات الديوان على وقفية السلطان قلاوون، وطلب الديوان من العلامة المرحوم أحمد زكي باشا قراءة الوقفية، فانتهز الفرصة واستنسخ لنفسه منها نسخة للخزانة الزكية، ولم يسبق لأحد ما قبل ذلك رؤية هذه الوقفية أو معرفة ما فيها. وقد تفضل الأستاذ المرحوم أحمد زكي باشا فأعارنيها ضمن ما أعارني من نفائس خزانته.
وهذه الوقفية هي أربع وقفيات معا الثلاث الأوليات منها تمت في عهد قلاوون نفسه في ثلاث سنين متتالية وهي سنوات 684 و685 و686، والرابعة عملت في عهد الأمير عبد الرحمن كتخدا من أمراء المماليك الذين حكموا مصر في العهد العثماني وذلك في سنة 1190هـ وذلك طبقا لما ذكر في وقفية الأمير كتخدا فقد جاء فيها في السطر 99 ما يلي:... التي من جملة كتب الأوقاف المذكورة الثلاثة كتب الرق الغزال الملصقة المؤرخ أحدهم كذا في 13من شهر ذي الحجة الحرام ختام سنة 684 والثاني مؤرخ في 12 شهر صفر الخير، والضم والإلحاق الشرعي الملحق بذيله المؤرخ في حادي عشر شهر صفر المذكور كلاهما سنة 685، والثالث مؤرخ في 24 شهر رجب الفرد الحرام سنة 686 هذا ما دلت عليه كتب الأوقاف المذكورة على الحكم المعين والمشروح بأعاليه.
وسنأتي على ديباجة الوقفية ثم على الشروط الخاصة بالبيمارستان وحده دون الخاص منها بالتربة أو المدرسة أو القبة أو المسجد ثم نتبع ذلك بذكر وقفية الأمير كتخدا لما احتوت عليه من الأمور العظيمة الهامة للإنسانية.

.ديباجة وقفية السلطان الملك المنصور قلاوون:

هذا كتاب وقف صحيح شرعي، وحبس صريح مرضي، أمر بتسطيره وإنشائه وتحريره، مولانا وسيدنا السلطان الأعظم السيد الأجل الملك المنصور العالم العادل، الكافي الكامل، المؤيد المظفر، الهمام غياث الأنام، سيف الدنيا، سلطان الإسلام والمسلمين، قامع الكفرة والمشركين، قاهر الخوارج والمتمردين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، ملك البحرين خادم الحرمين الشريفين، أبو المظفر قلاوون الصالحي قسيم أمير المؤمنين سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقاليم والقلاع والحصون، خلد الله ملكه وجعل الأرض بأسرها ملكه، وجدد له في كل يوم نصرا وملكه بساط الأرض برا وبحرا. وأشهد على نفسه الشريفة - صانها من كل محذور، وبلغها ما تؤمله في سائر الأوقات والدهور - بما تضمنه هذا المكتوب وأشتمل عليه ونسب فيه الإشهاد إليه. وهو أنه - خلد الله ملكه وسلطانه، وأفاض على كافة الرعايا عدله وإحسانه - وقف وحبس وسبّل وحرّم وأبّد وتصدق بجميع ما هو له - خلد الله ملكه - وفي يده وملكه وتصرفه وهو جميع الربع الكامل المعروف بالعلمي أرضا وبناء الذي هو بالقاهرة المحروسة بالقرب من قيسارية جهاركس... إلخ ما وقفه من أملاكه وتراثه ندعه ونبدأ بشروط الواقف قال:
... أما بعد فإن أحق ما انتهزت فرص أجره العزائم، وأحرزت مواهب بره الغنائم، وأجدر ما تنبه لاغتنام ثوابه كل نائم، وأولى ما توجه إليه كل متوجه وقام إليه كل قائم، ما عادت بالخيرات عوائده، وزادت في المسرات زوائده، واستمرت على الآباء فوائده، واستقرت على التقوى بتطاول الآمال قواعده، وهي الأوقاف العميم برها، المقيم أجرها، الجسيم وفرها، الكريم ذخرها، فهي الحسنات التي هي أثمان الجنان، والقربات التي فيها رضوان الرحمن، والصدقات التي هي مهور الحور الحسان، والنفقات التي هي بحور الأجور لا اللؤلؤ والمرجان.
ولا يخفى ما فيها من إدخال السرور على المريض الفقير، وإيصال الحبور إلى قلبه الكسير، وإغنائه بإيوائه ومداواته، الذي لا يعبر عن وفور أجرها بتعبير، فطوبى لمن عامل مولاه العزيز الغفار، وراقبه مراقبة العالم بسره ونجواه في الإيراد والإصدار، وأقرضه أحسن القروض على حسب الإمكان والاقتدار. وأنتهز الفرصة بالاستباق وأحرز باغتنام أجرها قصب السباق، فساعد الفقير المسلم على إزالة ألمه، ومداواة سقمه مساعدة تنجيه غدا من عذاب ربه الخلاق ورجاء أن تكون له بها عند الله الرتبة العظمى، والقربة التي لا يخاف بأجرها ظلما ولا هضما، والحسنة التي لا تبقى لذنبه غما.
ولما علم بذلك مولانا السيد الأجل السلطان الملك المنصور العالم العادل... فتقدم أمره الشريف، العالي المنيف، إلى ولي دولته، وغذي نعمته والمتشرف بخدمته، والمخصوص في هذا الوقف بوكالته، الجناب العالي الأمري الأجلي الأوحدي الكبيري المؤيدي المجاهدي المقدمي العضدي النصري العزي عز الدين، عز الإسلام ذخر الأنام، مقدم الجيوش نصرة المجاهدين عضد الملوك والسلاطين أبي سعيد أيبك بن عبد الله الملكي الصالحي النجمي المعروف بالأفرم أمير جاندار الملكي المنصوري السيفي أدام الله نعمته، أن يقف عنه خلد الله ملكه ويحبس ويسبل جميع ما هو جار في ملك مولانا السلطان الملك المنصور... جميع أراضي البستان... الذي ذلك بظاهر القاهرة خارج بابي الشعرية والفتوح غربي الجامع الظاهري المستجد العامر بذكر الله... على ما نص مولانا السلطان المنصور الموقوف عنه بإذنه المذكور خلد الله مملكته على بيانه وذكر تعيينه ذكرا مصدقا خبره لعيانه، وشرح مصارفه شرحا يبقى على الأبد وترادف زمانه؟ وبين شروطه بيانا لا ينقضي بانقضاء أوانه، من مصالح البيمارستان المبارك المنصوري المستجد إنشاؤه، والبديع بناؤه، والمعدوم في الآفاق مثاله، والمشهور في الأقطار حسن وصفه وجماله، لقد أعجز همم الملوك الأول، وحوى كل وصف جميل واكتمل وحدَّث عنه العيان والخبر، ودل على علو الهمة فيه كالسيف دلّ على التأثير بالأثر؛ من أكحال تكون فيه معدة للسبيل، وأشربة تحلو كالسلسبيل، وأطباء تحضره في البكرة والأصيل، وغير ذلك مما يشفي السقيم ويبري العليل، وفروش وأوان، وقومة وخدام ومطعوم ومشروب ومشموم مستمرا أبدا على الدوام وسيأتي بيان ذلك فيه مفصلا مبينا، ومشروحا معينا. وهذا المارستان المذكور بالقاهرة المحروسة بين القصرين بخط المدارس الكاملية والصالحية والظاهرية، ورحم الله واقفيها على يمنة السالك من المدرسة الكاملية إلى باب الزهومة وفنادق الطواشي شمس الخواص مسرور رحمه الله، وفندقي الحجر والفاكهة والحريريين والسقطيين والشرابشيين وغير ذلك، وإلى بسرة السالك من ذلك إلى المدرسة الكاملية والجامعي الأصغر والأنور... ويتوصل إلى هذا المارستان المذكور من الباب الكبير المبني بالرخام المفصوص، المقابل لباب 274 التربة الصالحية النجمية رحم الله واقفها المدخول منه إلى الدهليز المستطيل المسلوك منه إلى القبة المباركة التي على يمنه الداخل فيه وإلى المدرسة التي هي بالعلم الشريف معظمة... وهذا المارستان هو الذي وقفه مولانا السلطان الملك المنصور الموكل الموقوف عنه خلد الله ملكه بيمارستان لمداواة مرضى المسلمين الرجال والنساء من الأغنياء المثرين والفقراء المحتاجين بالقاهرة ومصر وضواحيها من المقيمين بها والواردين إليها من البلاد والأعمال على اختلاف أجناسهم وأوصافهم وتباين أمراضهم وأوصابهم، من أمراض الأجسام قلت أو كثرت أفقت أو اختلفت، وأمراض الحواس خفيت أو ظهرت، واختلال العقول التي حفظها أعظم المقاصد والأغراض، وأول ما يجب الإقبال عليه دون الانحراف عنه والإعراض، وغير ذلك مما تدعو حاجة الإنسان إلى صلاحه وإصلاحه بالأدوية والعقاقير المتعارفة عند أهل صناعة الطب والانشغال فيه بعلم الطب والاشتغال به، يدخلونه جموعا ووحدانا وشيوخا وشبانا، وبلغاء وصبيانا، وحرما وولدانا، يقيم به المرضى الفقراء من الرجال والنساء لمداواتهم إلى حين برئهم وشفائهم ويصرف ما هو معد فيه للمداواة، ويفرق للبعيد والقريب، والأهلي والغريب، والقوي والضعيف، والدني والشريف، والعلي والحقير، والغني والفقير، والمأمور والأمير، والأعمى والبصير.
والمفضول والفاضل، والمشهور والخامل والرفيع والوضيع، والمترف والصعلوك، والمليك والمملوك، من غير اشتراط لعوض من الأعواض، ولا تعويض بإنكار على ذلك ولا اعتراض، بل لمحض فضل الله وطوله الجسيم، وأجره الكريم وبره العميم، لينتفع بذلك... فقبل هذا الوكيل المذكور هذا التوكيل قبولا صحيحا سائغا شرعيا، ووقف بإذن مولانا السلطان الملك المنصور الموكل المذكور خلد الله مملكته، وحبس عنه المارستان المستجد المنصوري المحدود أعلاه، وعلى من يقوم بمصالح المرضى به من الأطباء والكحالين والجرائحيين وطباخي الشراب والمزاور والطعوم وصانعي المعاجين والأكحال والأدوية والمسهلات المفردة والمركبة، وعلى القومة والفراشين والخزان والأمناء والمباشرين وغيرهم ممن جرت عادة أمثالهم بذلك. وعلى ما يقوم بمداواة المرضى من الأطعمة والأشربة والأكحال والشيافات والمعاجين والمراهم والأدهان والشربات، والأدوية المركبة، والمفردة، والفرش والقدور والآلات المعدة للانتفاع بها في مثله. وسيأتي ذكر ذلك مفصلا فيه مبينا ومشروحا معينا، على أن الناظر في هذا الوقف والمتولي عليه يؤجر العقار من هذا الوقف المذكور وما شاء منه بنفسه أو بنائبه مدة ثلاث سنين فما دونها بأجرة المثل فما فوقها ويؤجر الأراضي مدة ثلاثة سنين فما دونها بأجرة المثل فما فوقها ولا يدخل عقدا على عقد ولا يؤجره لمتشرد ولا لمتعزز، ولا لمن تخشى سطوته، ولا لمن ينسى الوقف في يده، ويبدأ من ذلك بعمارة ما يجب عمارته في الوقف والبيمارستان، المذكور ذلك فيه من إصلاح وترميم أو بناء هديم، على وجه لا ضرر فيه ولا ضرار ولا إجحاف بأحد في جد ولا إصرار، وبتخير الناظر في حصيل ربع هذا الوقف وحسن الحال على حسب الإمكان ويطلب ذلك حيث كان في جهة ومكان، بحيث لا يفرط ولا يفرط ولا يخرج في سلوكه عن السنين المتوسطة ولا يهمل حقا معينا ولا يغفل عن أمر يكون صلاحه بينا، لتكون هذه الصدفة طيبة مقبولة وهذا السعي يرجو مولانا السلطان الملك المنصور - خلد الله ملكه - به من ربه قبوله فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما ورد عنه من الأخبار الصحيحة المنقولة: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ثم ما فضل بعد ذلك صرف منه الناظر ما يرى صرفه لمن يتولى إنجاز ذلك واستخراج أجرته وعمارته وصرف ريعه في وجوهه المشترطة فيه وتفرقة أشربته وأدويته من شدّ وناظر ومشارف ومشاهد وكاتب وخازن، ويصرف لكل منهم من ريع هذا الوقف أجرة مثله عن تصرفه في ذلك وفعله، ولا يولي الناظر في هذا الوقف يهوديا ولا نصرانيا ولا يمكنه من مباشرة شيء من هذا الوقف بل يكون المتولي مسلما ظاهر الأمانة عارفا بأنواع الكتابة، كافيا فيما يتولاه موصوفا بدينه ودرايته وخبرته ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف، ثمن ما تدعوا حاجة المرضى إليه، من سرر حديد أو خشب على ما يراه مصلحته ولحف محشوة قطنا وطواريح محشوة بالقطن أيضا، وملاحف قطن ومخاد طرح أو أدم محشوة على ما يراه ويؤدي إليه اجتهاده وهو مخير بين أن يفصل كل نوع من ذلك ويصرف أجرة خياطته وعمله وثمن حشوه وبين أن يشتري ذلك معمولا مكملا فيجعل لكل مريض من الفرش على حسب حاله وما يقتضيه مرضه عاملا في حق كل منهم بتقوى الله وطاعته باذلا جهده وغاية نصيحته، فهم رعيته وكل مسئول عن رعيته ويصرف الناظر في هذا الوقف ثمن سكر يصنعه أشربة مختلفة الأنواع، ومعاجين وثمن ما يحتاج إليه لأجل ذلك من الفواكه والخماير، رسم الأشربة وثمن ما يحتاج إليه من أصناف الأدوية والمعاجين والعقاقير والمراهم والأكحال والشيافات والذرورات والأدهان والسفوفات والدرياقات والأقراص وغير ذلك يصنع كل صنف في وقته وأوانه، ويدخره تحت يده في أوعية معدة له، فإذا فرغ استعمل مثله من ريع هذا الوقف ولا يصرف من ذلك لأحد شيئا إلا بقدر حاجته إليه ولا يزيده عليها، وذلك بحسب الزمان وما تدعوا الحاجة إليه بحسب الفصول وأوقات الاستعمال ويقدم في ذلك الأحوج فالأحوج من المرضى والمحتاجين والضعفاء والمنقطعين والفقراء والمساكين ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف ما تدعوا حاجة المرضى إليه من مشموم في كل يوم، وزبادي فخار برسم أغذيتهم وأقداح زجاج وغرار برسم أشربتهم وكيزان وأباريق فخار وقصاري فخار وزيت للوقود عليهم، وبماء من بحر النيل المبارك برسم شربهم وأغذيتهم و... لأجل تغطية أغذيتهم عند صرفها عليهم وفي ثمن مراوح خوص لأجل استعمالهم إياها في الحرّ ويصرف الناظر ثمن ذلك من ريع هذا الوقف في غير إسراف ولا إجحاف ولا زيادة على ما يحتاج إليه كل ذلك بحسب ما تدعو الحاجة لزيادة الأجر والثواب ويصرف الناظر في هذا الوقف لرجلين مسلمين موصوفين بالديانة والأمانة يكون أحدهما خازنا لمخزن حاصل التفرقة، يتولى تفرقة الأشربة والأكحال والأعشاب والمعاجين والأدهان والشيافات، المأذون له في صرف ذلك من المباشرين، ويكون الآخر أمينا يتسلم صبيحة كل يوم وعشيته أقداح الشراب المختصة بالمرضى والمختلين من الرجال والنساء المقيمين بهذا المارستان، ويفرق ذلك عليهم ويباشر شرب كل منهم لما وصف له من ذلك.
ويباشر المطبخ بهذا المارستان وما يطبخ به للمرضى من مزاور ودجاج وفراريج ولحم وغير ذلك، ويجعل لكل مريض ما طبخ له في يوم في زبدية منفردة له من غير مشاركة مع مريض آخر ويغطيها ويوصلها إلى المريض إلى أن يتكامل إطعامهم ويستوفي كل منهم غذاءه وعشاءه وما وصف له بكرة وعشية. ويصرف الناظر لكل منهما من ريع هذا الوقف ما يرى صرفه إليه من غير حيف ولا شطط. وللناظر الشهادة عليهما في العدة إذا لم يكفيا ما اشترط عليهما مباشرته ويصرف له أجرة مثله من ريع هذا الوقف ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف لمن ينصبه بهذا المارستان من الأطباء المسلمين الطبائعيين والكحالين والجرائحيين بحسب ما يقتضيه الزمان وحاجة المرضى وهو مخبر في العدة وتقرير الجامكيات ما لم يكن في ذلك حيف ولا شطط يباشرون المرضى والمختلين الرجال والنساء وبهذا المارستان مجتمعين ومتناوبين باتفاقهم على التناوب، أو بإذن الناظر في التناوب، ويسألون عن أحوالهم وما يتجدد لكل منهم من زيادة مرض أو نقص ويكتبون بما يصلح لكل مريض من شراب وغذاء وغيره، في دستور ورق ليصرف على حكمه، ويلتزمون المبيت في كل ليلة بالبيمارستان مجتمعين أو متناوبين ويجلس الأطباء الكحالون لمداواة أعين الرمداء بهذا المارستان ولمداواة من يرد إليهم به من المسلمين بحيث لا يرد أحد من المسلمين الرمداء من مداواة عينه بكرة كل يوم ويباشرون المداواة ويتطلفون فيها ويرفقون بالرمداء في ملاطفتهم وإن كان بينهم من به قروح أو أمراض في عينه تقتضي مراجعة الكحال للطبيب الطبائعي، راجعه وأحضره معه وباشر معه من غير انفراد عنه ويراجعه في أحوال برئه وشفائه ويصرف الناظر في هذا الوقف لمن بنصبه شيخا للاشتغال عليه بعلم الطب على اختلافه يجلس بالطبة الكبرى المعينة له في كتاب الوقف المشار إليه في الأوقات التي يعينها له الناظر ما يرى صرفه إليه وليكن جملة أطباء البيمارستان المبارك من غير زيادة عن العدد ويصرف الناظر مع ربع هذا الوقف للقومة والفراشين الرجال والنساء بهذا البيمارستان ما يرى صرفه إلى كل بحسب عمله على أن كلا منهم يقوم بخدمة المرضى والمختلين الرجال والنساء بهذا البيمارستان ويغسل ثيابهم وتنظيف أماكنهم وإصلاح شؤونهم والقيام بمصالحهم على ما يراه من العدة والتقرير بحيث لا يزيد في العدة ولا في المقادير على الحاجة إليه وفي ذلك بحسب الزمان والمكان ويصرف الناظر ما تدعوا الحاجة إليه في تكفين من يموت بهذا المارستان من المرضى والمختلين الرجال والنساء، فيصرف ما يحتاج إليه برسم غسله وثمن كفنه وحنوطه وأجرة غاسله وحافر قبره ومواراته في قبره على السنة النبوية والحالة المرضية، ومن كان مريضا في بيته وهو فقير كان للناظر أن يصرف إليه ما يحتاج إليه من حاصل هذا المارستان من الأشربة والأدوية والمعالجين وغيرها من عدم التضييق في الصرف على من هو مقيم به، فإن مات بين أهله صرف إليه الناظر في موته بتجهيزه وتغسيله وتكفينه وحمله إلى مدفنه ومواراته في قبره ما يليق بين أهله، وليس للناظر في هذا الوقف أن ينزل بهذا المارستان من المرضى ولا من المختلين ولا من الأطباء ولا من المباشرين ولا من أرباب الوظائف بهذا المارستان يهوديا ولا نصرانيا فإن فعل شيئا من ذلك أو أذن فيه ففعله مردود وإذنه فيه غير معمول به، وقد باء بسخطه وإثمه. ومن حصل له الشفا والعافية ممن هو مقيم بهذا المارستان المبارك صرف الناظر إليه من ربع هذا الوقف المذكور كسوة مثله على العادة، بحسب الحال من غير زيادة تقتضي التضييق على المرضى والقيام بمصالحهم، كل ذلك على ما يراه ويؤدي إليه اجتهاده بحسب ما تدعوا إليه الحاجة ويحصل منه مزيد الأجور لملانا السلطان الملك سيف الدنيا والدين، أعز الله به الدين وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين فإن نقص ربع الوقف المذكور عن استيعاب المصارف المذكورة أعلاه، قدم الناظر صرف الأهم فالأهم من ذلك، من الأطعمة والأشربة والأدوية والسفوفات والمعاجين ومداواة الرمد، وتقديم الأحوج بحسب ما تقتضيه المصلحة وزيادة الأجور والثواب. وعلى الناظر في هذا الوقت أن يراعي تقوى الله سبحانه وتعالى سرا وجهرا، ولا يقدم صاحب جاء على ضعيف ولا قويا على ما هو أضعف منه ولا متأهلا على غريب، بل يقدم في الصرف إليه زيادة الأجور والثواب والتقرب إلى رب الأرباب، فإن تعذر الصرف والعياذ بالله تعالى إلى الجهات المذكورة أو إلى شيء منها كان ذلك مصروفا إلى الفقراء والمساكين من المسلمين أينما كانوا وحيث ما وجدوا وجعل هذا الجناب العالي الأميري العزي الوكيل الواقف بإذن موكله مولانا السيد الأجل السلطان الملك المنصور.
ثم من بعده رزقه الله أطول الأعمار وملكه سائر النواحي والأقطار للأمثل فالأمثل ومن أولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا ثم للأمثل فالأمثل من عتقاء مولانا السلطان الملك المنصور المسمى أعز الله أنصاره وإذا انقرضوا كان النظر في ذلك لحاكم المسلمين الشافعي المذهب بالقاهرة ومصر المحروسة، ثم من بعده لمن يوجد من حكام المسلمين يوم ذلك على اختلاف مذاهبهم... وصار جميع ما وصف وحدد بعاليه وقفا محرما بحرمات الله الأكيدة التي هي أجمع للتحريم، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر ويعلم أنه إلى ربه صائر من سلطان أو وزير، أو مشير أو قاضي أو محتسب أو وكيل بيت مال، أو أمير أم آمر، نقض هذا الوقف ولا نقض سيء منه ولا تعطيله ولا فسخه ولا تحويله ولا السعي في إبطال شيء منه ولا الاعتراض إليه ولا إخراجه عن سبيله فمن فعل ذلك أو أعان عليه أو سعى فيه... وقعت الشهادة عليه بعد قراءته بتاريخ اليوم المبارك يوم الثلاثاء الثاني عشر من شهر صفر المبارك من شهور سنة خمس وثمانين وستمائة، الله يقضيها بخير وحسبنا الله ونعم الوكيل الشهود وهم ثمانية... وبذلك أشهد... وبذلك أشهد يوسف بن سليمان محمد بن محمد... محمد بن عبد العزيز بن أحمد ابن عمر بن اللهيب؟
... وبذلك أشهد... وبذلك أشهد محمد بن محمد بن عبد العزيز بن رشيق عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن الشافعي إسماعيل بن الحسن الأنصاري محمد بن محمد بن محمد البكري الحسيني علي بن عبد العزيز بن علي.